إذا كانت الجغرافيا في جوهرها تقوم على معطيات الموقع والتضاريس وامتدادات الحدود ساحلية كانت أم برية، إلا أنها في الجانب الآخر منها تمثل حوار الطبيعة والإمكانات المتاحة وكيفية التعامل الإنساني معها، ليس فقط للتغلب على مشكلاتها، ولكن لتحويلها إلى عناصر قوة مضافة للإنسان في تعامله مع البيئة من حوله.
وتمتلك سلطنة عُمان موقعا استراتيجيا بالغ الأهمية كان له دوما صدى قويًا في سياساتها وخياراتها وأسلوبها في التعامل مع كثير من القضايا والتطورات.
تقع سلطنة عُمان في أقصى الجنوب الشرقي لشبه الجزيرة العربية وتمتد بين دائرتي عرض´39 ˚16 و ´30 ˚26 شمالاً وبين خطي طول ´00 ˚52 و ´50 ˚59 شرقاً، وتطل على ساحل يمتد 3165 كيلومترًا يبدأ من أقصى الجنوب الشرقي حيث بحر العرب ومدخل المحيط الهندي، ممتدًا إلى بحر عُمان حتى ينتهي عند مسندم شمالًا، ليطل على مضيق هرمز الاستراتيجي حيث مدخل الخليج، وترتبط حدود عُمان مع الجمهورية اليمنية من الجنوب الغربي ومع المملكة العربية السعودية غربًا، ودولة الإمارات العربية المتحدة شمالًا، ويتبعها عدد من الجزر الصغيرة في بحر عُمان ومضيق هرمز مثل جزيرة سلامة وبناتها، وفي بحر العرب مثل جزيرة مصيرة، ومجموعة جزر الحلانيات وغيرها.
وتقع سلطنة عُمان شمال مدار السرطان وجنوبه، فتنتمي بذلك إلى المناطق الحارة الجافة ولها بجنوبها امتدادات تدخل في المناخ الاستوائي. ومن هذا الموقع تسيطر سلطنة عُمان على أقدم وأهم الطرق التجارية البحرية في العالم، وهو الطريق البحري بين الخليج والمحيط الهندي، ومن هذا الموقع أيضا اتصلت طرق القوافل عبر شبه الجزيرة العربية لتربط ما بين غربها وشرقها وشمالها وجنوبها، وتبلغ مساحة سلطنة عُمان 309.500 (ثلاثمائة وتسعة آلاف وخمسمائة) كيلومتر مربع.
كما تتميز جغرافية سلطنة عُمان بوجود سلسلة جبال الحجر التي تمتد من منطقة رؤوس الجبال في رأس مسندم (حيث يقع مضيق هرمز بوابة الخليج) إلى رأس الحد أقصى امتداد للجزيرة العربية من جنوبها الشرقي المطل على المحيط الهندي، وذلك على شكل قوس كبير يتجه من الشمال الشرقي لسلطنة عمان إلى جنوبها الغربي، ويصل أقصى ارتفاع له 3000 متر في منطقة الجبل الأخضر.
وفي محافظة مسندم ترتفع الجبال إلى نحو 1800 متر فوق سطح البحر، حيث يقع مضيق هرمز بين الساحلين العُماني والإيراني لكن الجزء الصالح منه للملاحة الدولية يقع في الجانب العُماني. ويشبه العُمانيون سلسلة جبال الحجر بالعمود الفقري للإنسان فيسمون المنطقة التي تقع على بحر عُمان بالباطنة، والمنطقة التي تقع إلى الغرب من المرتفعات بالظاهرة، فالباطنة هي الشاطئ الساحلي الذي شكلته الوديان الهابطة من الجبال ويتراوح اتساعه ما بين 15 و80 كيلومترا، كما يتجاوز طوله 300 كيلومتر، وهي المنطقة الزراعية الرئيسية في سلطنة عمان حيث البساتين التي ترويها المياه الجوفية، والباطنة تمتد شمالا من مسقط حتى حدود دولة الإمارات العربية المتحدة.
وهناك عدة وديان تقطع هذه السلسلة من الجبال أكبرها وادي سمائل الذي يصل بين مدينة مسقط على الساحل وبين ولايتي إزكي ونزوى في الداخل، لهذا يطلق على المنطقة التي تقع فيها سلسلة الجبال إلى الغرب من ذلك الوادي منطقة الحجر الغربي، وفيها يقع الجبل الأخضر وولايات الرستاق ونخل والعوابي وغيرها.
والمنطقة التي تقع فيها سلسلة الجبال إلى الشرق من وادي سمائل تسمى منطقة الحجر الشرقي وفيها تقع ولايتا سمائل وبدبد وغيرهما، وأعلى قمة في جبال الحجر هي (جبل شمس) في محافظة الداخلية إذ يبلغ ارتفاعه نحو ثلاثة آلاف متر فوق سطح البحر، ويضيق الساحل العُماني عند مرتفعات القرم بمسقط ليصبح الشاطئ صخريا مليئا بالجيوب المائية، كما هو الحال في رأس جنوب مسقط حتى رأس الحد، ومن رأس الحد إلى منطقة فيلم على الشاطئ في خليج مصيرة تمتد رمال الشرقية بطول حوالي (160) كيلومترًا وعرض حوالي ثمانية كيلومترات وإلى الجنوب الغربي من جزيرة مصيرة تقع مساحة شاسعة من الأراضي المستوية الحجرية تعرف باسم (جدة الحراسيس)، بينما تقع إلى الغرب من رمال الشرقية أراض منبسطة صخرية واسعة عرضها حوالي (250) كيلومترًا تتخللها وديان تجري من الشمال إلى الجنوب مثل وادي حلفين ووادي عندام.
وتقع غربي جزيرة مصيرة شبه جزيرة بر الحكمان، ويفصلها عن جزيرة مصيرة مجرى مائي يبلغ اتساعه (14) كيلومترًا، وتتكون منطقة بر الحكمان من ملاحات بسيطة، وفي بعض المواسم يغطي البحر خمسة كيلومترات من أراضيها، ويعتمد سكانها في حياتهم على صيد الأسماك.
وعلى ساحل بحر العرب يمتد الشاطئ العُماني - محافظتا الوسطى وظفار- مسافة (560) كيلومترًا، حيث تسقط الأمطار الموسمية على حوالي (130) كيلومترًا منها، وتضم سهلًا ساحليًا بعرض يتراوح ما بين ثمانية إلى عشرة كيلومترات، تقع فيه ولاية صلالة، وغيرها من الولايات مثل طاقة ومرباط وسدح ورخيوت وضلكوت، وتزخر الشواطئ الساحلية بمحافظة ظفار بثروة سمكية وافرة منها الروبيان والهامور وكذلك سمك السردين الذي يستخدم الفائض منه علفًا للحيوانات وسمادًا للمزروعات.
أما منطقة جبال ظفار فتمتد من الشرق إلى الغرب بطول حوالي (400) كيلومتر من قبالة جزر الحلانيات إلى الحدود مع الجمهورية اليمنية، وبها مناطق جبلية تشكل سلسلة واحدة متصلة أبرزها جبل سمحان في الشرق وجبال القمر في الغرب، ولا يزيد عرض هذه الجبال عن 23 كيلومترًا، وأقصى ارتفاع لها (2500) متر، وهناك (75) كيلومترًا من هذه الجبال تكسوها الخضرة بدءًا من يونيو إلى سبتمبر من كل عام - فصل الخريف - إذ تتميز هذه المنطقة عن بقية مناطق الجزيرة العربية بهبوب الرياح الموسمية عليها الآتية من الجنوب الغربي في فصل الخريف، الذي تتحول فيه محافظة ظفار إلى مصيف متميز بسبب هطول الأمطار وانتشار المراعي، كما تنمو على بعض أجزائها أشجار اللبان التي كانت لها تجارة رائجة اشتهرت بها هذه المنطقة، وكانت مصدر ثروتها في العصور القديمة كما تتفجر منها عيون تتدفق بالماء على مدار العام.
على امتداد التاريخ كانت عُمان مركزًا حضاريًا نشطًا تفاعل مع مراكز الحضارة في العالم القديم، وقوة بحرية وسياسية مؤثرة، جابت سفنها المحيط الهندي متجهة إلى موانئ فارس الجنوبية وموانئ الخليج العربي وصولًا إلى العراق، وامتدت صواريها حتى موانئ شرق إفريقيا ابتداءً بالصومال شمالًا وانتهاءً بموزمبيق جنوبًا.
أطلق عليها السومريون اسم مجان أو جبل النحاس، وورد هذا الاسم في مئات النصوص الرافدية سواء أكانت سومرية أو أكادية والتي كتبت بالخط المسماري، وكانت تشير بشكل واضح إلى أهمية هذا المكان من النواحي الاستراتيجية ومصادره الطبيعية خاصة النحاس والأحجار الكريمة.وفيما تروي كتب التاريخ عن نزوح قبائل عربية عديدة إلى عُمان والاستقرار فيها منذ تاريخ موغل في القدم، تذكر المصادر التاريخية أن أول هجرة منظمة وقوية هي تلك التي كانت تحت قيادة مالك بن فهم الذي كان ينتمي إلى القبائل الأزدية، في نهاية القرن الميلادي الأول.ومع بزوغ شمس الإسلام،
كانت عُمان من أوائل البلدان التي اعتنقت الدين الإسلامي طواعية في عهد الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، فقد بعث عليه السلام عمرو ابن العاص إلى جيفر وعبد ابني الجلندى ابن المستكبر – ملكي عُمان آنذاك – يدعوهما إلى الإسلام، فاستجابت عُمان بقيادة ابني الجلندى، وأصبحت منذ ذلك التاريخ واحدة من القلاع الحصينة للإسلام التي ساعدت على انتشاره في كثير من المناطق خاصة في شرق ووسط أفريقيا.وخلال السنوات الأولى للدعوة الإسلامية ساهمت عُمان بدور بارز في حروب الردة التي ظهرت بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، كما شاركت في الفتوحات الإسلامية العظيمة خاصة في العراق وفارس وبلاد السند، بالإضافة إلى المشاركة في الفتوحات الإسلامية لعدد من البلاد الأخرى في المنطقة وخارجها.
وإذا كانت دولة اليعاربة تعتبر من الدول التي خُلّدت ليس في التاريخ العُماني فحسب، إنما في تاريخ الخليج والعرب بصفة عامة، بحكم أنها الدولة التي نجحت في طرد البرتغاليين من السواحل العُمانية، ومن سواحل الخليج العربي ومنطقة المحيط الهندي، وصولا إلى شرق أفريقيا، فإن الدولة البوسعيدية التي تأسست عام 1744م على يد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي والتي يمثل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - امتدادًا لها، استطاعت نقل عُمان لتكون ضمن القوى المؤثرة في محيطها، وبناء إمبراطورية عُمانية كبيرة امتدت لتشمل مناطق عديدة في شرق أفريقيا خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، وقد فرضت هذه الإمبراطورية وجودها البحري في المحيط الهندي، وأقامت علاقات سياسية متوازنة مع القوى العظمى.
ومع أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، مرت البلاد ببعض مراحل الضعف والعزلة والخلافات الداخلية، لأسباب عديدة محلية وإقليمية ودولية، قبل أن تشرق شمس النهضة العُمانية على يد المغفور له - بإذن الله تعالى - جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور – طيب الله ثراه – الذي قاد نهضة حديثة شقت خلالها عُمان طريقها إلى المجد، واستعادت ماضيها العريق، وتبوّأت مكانتها المرموقة والبارزة بين دول العالم، لتتواصل المسيرة المباركة، والنهضة الحديثة مع حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – الذي أعلن منذ تسلّمه زمام الحكم في البلاد في 11 يناير 2020م، المضي على طريق البناء والتنمية، ومواصلة مسيرة النهضة المباركة، مؤكداً «على أن تظل عُمان الغاية الأسمى في كل ما نُقدِم عليه، وكل ما نسعى لتحقيقه، داعين كافة أبناء الوطن، دون استثناء، إلى صون مكتسبات النهضة المباركة، والمشاركة الفاعلة في إكمال المسيرة الظافرة، متوكّلين على الله عز وجل، راجين عونه وتوفيقه».
اختلفت الآراء في أصل تسمية عُمان فالبعض يرجعه إلى قبيلة عُمان القحطانية، والبعض يأخذه من معنى الاستقرار والإقامة، فيقول ابن الأعرابي: العمن أي المقيمون في مكان، يقال رجل عامن وعمون، ومنه اشتقت كلمة عُمان، ويستطرد فيقول: أعمن الرجل أي دام على المقام بعُمان، أما الزجاجي فيقول: إن عُمان سميت باسم عُمان ابن إبراهيم الخليل عليه السلام، بينما يذكر ابن الكلبي: إنها سميت باسم عُمان بن سبأ بن يغثان بن إبراهيم خليل الرحمن لأنه هو الذي بنى مدينة عُمان.
وقيل إن الأزد سمت عُمان (عُمانا) لأن منازلهم كانت على وادٍ لهم بمأرب يقال له عُمان فشبهوها به، ومن أقدم المؤرخين الرومان الذين ذكروا عُمان بهذا الاسم يلينوس الذي عاش في القرن الأول للميلاد، فقد ورد في كتاباته اسم مدينة تسمى عُمانه، وكذلك ورد هذا الاسم عند بطليموس الذي عاش في القرن الثاني للميلاد، ويظن جروهمان أن عُمانه المذكورة عند هذين المؤرخين هي صحار التي كانت تعد المركز الاقتصادي الأكثر أهمية في المنطقة في العصر الكلاسيكي.
وقد عُرفت عُمان بأسماء أخرى، فقد أطلق عليها السومريون ودول بلاد ما بين النهرين اسم (مجان)، كما سماها الفرس باسم (مزون)، وهي مشتقة من كلمة (المزن) وتعني السحاب والماء الغزير المتدفق، ولعل هذا يفسر قيام وازدهار الزراعة في عُمان منذ القدم وما صاحبها من استقرار وحضارة أيضا.
وورد اسم عُمان في المصادر العربية على أنها إقليم مستقل، فقد أشار الاصطخري وابن حوقل إلى ذلك في قولهما: وعُمان ناحية ذات أقاليم مستقلة بأهلها فسحة.
أما ابن خلدون فقـد كان أكثر وضوحـًا في تعريفه لعُمان، فقد ذكرها في جملة الأقاليم العربية التي ظهرت كدول مستقلة في جزيرة العرب وهي اليمن والحجاز وحضرموت والشحر وعُمان، ووصف نظام حكمها، فقال بأنها (إقليم سلطاني منفرد).
ومهما كان الأمر، فإن اسم عُمان كما هو ملاحظ يعود إلى عصور تاريخية قديمة، وأن عُمان كانت تصطبغ بالصبغة العربية منذ أقدم العصور.
شكلت رسالة الإسلام منعطفا مهمًا في تاريخ عُمان، حيث استجاب أهل عُمان لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ودخلوا الإسلام طواعية وسلمًا، ثم ما لبثوا أن لعبوا دورًا رائدًا في تثبيت دعائم الدعوة ونشر راية الإسلام شرقا وغربا.
وتجمع الروايات أن مازن بن غضوبة الطائي السمائلي كان أول من رحل إلى المدينة المنورة وأول المسلمين من أهل عُمان. وقد وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: يا ابن المباركين الطيبين قد هدى الله قومًا من عُمان ومن عليهم بدينك وقد أخصبت وكثرت الأرباح فيه والصيد، فقال صلى الله عليه وسلم: «ديني دين الإسلام سيزيد الله أهل عُمان خصبا وصيدا، فطوبى لمن آمن بي ورآني، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني، وطوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني ولم ير من رآني. وإن الله سيزيد أهل عُمان إسلامًا».
وفعلًا كانت عُمان من أوائل البلاد التي اعتنقت الإسلام في عهد الرسول الكريم، فلقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى جيفر وعبد ابني الجلندى بن المستكبر ملكي عُمان آنذاك، يدعوهما إلى الإسلام فاستجابت عُمان بقيادة ابني الجلندى. وأصبحت منذ ذلك التاريخ واحدة من القلاع الحصينة للإسلام، وساعدت على انتشاره في كثير من المناطق خاصة في شرق ووسط أفريقيا.
ومن هنا نجد أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يدعو لأهل عُمان بالخير قائلًا: «رحم الله أهل الغبيراء (أي أهل عُمان) آمنوا بي ولم يروني». وما دعا الرسول الكريم لأن يثني ويدعو لأهل عُمان بالخير، إلا لأنه صلى الله عليه وسلم كان قد علم بإسلام ملكي عُمان إسلامًا خالصًا مخلصًا من كل شائبة وسوء. والحق أن خطبة أبي بكر الصديق في الوفد العُماني برئاسة عبد بن الجلندى وفي جمع من المهاجرين والأنصار، لهي وثيقة هامة في حسن أخلاق العُمانيين وكرم وفادتهم، وفي حسن إسلامهم وفي ثباتهم على الإسلام بعد أن أسلموا.
وقد ساهمت عُمان بدور بارز في الدعوة الإسلامية وشاركت في الفتوحات العظيمة برًا وبحرًا خاصة في العراق وفارس وبلاد السند، وعدد من البلدان الأخرى. كما حمل العُمانيون الإسلام معهم إلى شرق أفريقيا والصين والموانئ الأفريقية والآسيوية التي تعاملوا معها. ومن المعروف أن الإسلام والقيم الإسلامية تعد رابطًا قويا بين العُمانيين يحافظون عليه ويتمسكون به ويلتفون حوله.
أجمع المؤرخون العُمانيون على أن حكم بني نبهان في عُمان استمر خمسة قرون ، وكان على فترتين ، الأولى عرفت بفترة النباهنة الأوائل ، واستمر أربعمائة عام ، وبدأت بوفاة الإمام أبي جابر موسى بن أبي المعالي موسى بن نجاد عام (549هـ-1154م) ، وانتهت بالقضاء على حكم سليمان بن سليمان بن مظفر النبهاني الملك الشاعر المشهور ، ومبايعة محمد بن إسماعيل إماماً لعُمان سنة (906هـ/1500م). وقد تخللت هذه الفترة غزوات وحروب واجهت بني نبهان من الداخل والخارج ، بالإضافة إلى تنصيب الأئمة بين فترة وأخرى.
أما الفترة الثانية والتي عرفت بفترة النباهنة المتأخرين فاستمرت من عام (906هـ إلى 1034هـ / 1500 إلى 1624م ) ، وقد تخللتها أحداث مختلفة منها تنصيب الأئمة ، والصراع على السلطة بين بني نبهان أنفسهم من جهة ، وبينهم وبين بعض القبائل العُمانية الطموحة في الوصول إلى الحكم من جهة ثانية ، على أن أهم أحداث تلك الفترة كانت احتلال البرتغاليين للمنطقة الساحلية من عُمان .
ويمكن القول بأن نفوذ النباهنة قد اقتصر على المناطق الداخلية في بعض الفترات ، إلا أنه امتد إلى الساحل في مراحل أخرى كثيرة ، وفي أحيان أخرى تمكنت بعض القبائل المتمردة على حكم النباهنة من الانفراد بالساحل بعيدا عن سلطة الدولة . أما علاقة بني نبهان بالقوى الخارجية ، فتشير بعض المصادر العُمانية إلى تعدد علاقات النباهنة بالقوى الخارجية ، وخاصة العلاقات السياسية التي بدت أكثر وضوحًا من خلال تبادل الزيارات مع البلاد المجاورة وخصوصًا في منطقة الخليج وشرق أفريقيا وبعض الممالك الآسيوية.
بينما كان البرتغاليون يجهزون على كل القوى الإقليمية، ويبسطون سيطرتهم على أجزاء كبيرة من السواحل العُمانية وذلك بعد مقاومة شديدة من العُمانيين، كانت عُمان تشهد مولد عهد جديد وزعامة جديدة، فقد ظهر ناصر بن مرشد كأول أمام لدولة اليعاربة في عام 1624م، واستطاع هذا الإمام أن يستوعب كل أبعاد القضية، وان يدرك المتغيرات الجارية من حوله سواء على المستوى العُماني أو على مستوى المنطقة بشكل عام، وقدر كل أبعادها حيث اعتقد أن مواجهة البرتغاليين لا يمكن أن تكون حاسمة إلا إذا استند إلى جبهة وطنية متراصة ومتماسكة، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا إذا خاض حروبًا ضارية في سبيل توحيد كل القبائل العربية.
وقد تمكن الإمام ناصر بن مرشد من خلال توحيد البلاد تحت قيادته للمرة الأولى منذ سنوات عديدة، وعبر تجهيز أسطول بحري قوي، من تقليص نفوذ البرتغاليين وتحرير بعض المدن الساحلية منهم، ثم واصل الإمام سلطان بن سيف هذه المهمة الجليلة في مطاردة البرتغاليين حتى تمكن من تحرير مسقط عام 1650م.
لم يكتف العُمانيون بطرد البرتغاليين من سواحل عُمان بل شنوا عليهم حربًا تمثلت في سلسلة من الغارات ضدهم في المحيط الهندي وشرقي أفريقيا، وفي عهد الإمام سيف بن سلطان، وضعت عُمان حجر الأساس لبحريتها الشهيرة التي سيطرت على جميع الساحل الإفريقي الشرقي من (ممباسة) إلى (كلوه)، وبذلك أصبحت مسقط تتمتع بمركز التوزيع التجاري الرئيسي لمنطقة الخليج، وواحدة من المواني الرئيسية في المحيط الهندي والجزيرة العربية.
تمثل مبايعة الإمام أحمد بن سعيد الذي كان واليا على صحار وما حولها في عام 1744م بداية لحقبة جديدة في التاريخ العُماني، استمرت بمراحلها المختلفة على امتداد أكثر من مائتين وثلاثة وسبعين عامًا حتى الآن. وجدير بالذكر أن تولي الإمام أحمد بن سعيد الإمامة في عُمان جاء نزولا عند رغبة أهل الحل والعقد في عُمان في ذلك الوقت بالنظر لمواقفه وشجاعته وبخاصة في تخليص البلاد من الغزاة الفرس.
وقد شهدت البلاد ولأول مرة في عهد الإمام أحمد بن سعيد الذي أسس الدولة البوسعيدية نوعا من السلطة المركزية بعد أن تمكن من توحيد القبائل المتناحرة، وبادر باتخاذ الإجراءات الكفيلة بترسيخ قواعد الدولة وإعداد قوات مسلحة تتناسب والتحديات التي تواجهها عُمان. ثم قام بتحديث الأنشطة الاقتصادية وامتلك أسطولا حربيا وتجاريا، وفي عهده حافظت مسقط على مكانتها كإحدى أهم المدن التجارية في المنطقة وغدا ميناؤها من أهم الموانئ التجارية التي ترتاده السفن الأوروبية. كما أعاد لعُمان دورها في المنطقة، وليس أدل على ذلك من أنه أرسل نحو مائة مركب تقودها السفينة الضخمة (الطراد الرحماني) في عام 1775م إلى شمال الخليج لفك الحصار الذي ضربه الفرس حول البصرة في ذلك الوقت بعد استنجاد والي بغداد، وتمكن من فك الحصار.
وتجمع المصادر العربية والأوروبية على أن هناك عوامل عديدة ساعدت العُمانيين على الانفراد بدور رائد تأتي في مقدمتها المهارة والخبرة الملاحية والتجارية حيث اكتسب العُمانيون رصيدًا ضخمًا من التجربة تعد محصلة للأحداث التاريخية والموقع الجغرافي والتراث العُماني، ثم الاستقرار الذي شهدته عُمان وتمتعت به الموانئ العُمانية في الوقت الذي سادت فيه الفوضى وعم الاضطراب أغلب موانئ الخليج، ثم تأتي شخصية أحمد بن سعيد الذي تميز بدرجة كبيرة من الانضباط والحسم والقدرة على اتخاذ القرارات المناسبة، إضافة إلى احترام القوى الأوروبية له وثقتها في سياسته التي جذبت الأجانب وحفزتهم على إنشاء وكالات تجارية لهم في المدن العُمانية وخصوصًا مسقط التي أصبحت سنة 1790م من أهم المدن الآسيوية وفقا لتقرير أعدته شركة الهند الشرقية الإنجليزية.
وبعد أن توفي الإمام أحمد بن سعيد في الرستاق سنة 1189هـ/1775م والتي كانت عاصمة له، خلفه عدد من الأئمة والسلاطين البارزين الذين حافظوا على استمرار حكم أسرة البوسعيد وفي عهد حفيده حمد (1193هـ/1779م ـ 1207هـ/1792م) انتقلت العاصمة من الرستاق إلى مسقط لتستقر فيها حتى الآن. ومن المعروف أن الشعور العميق لدى العُمانيين بالانتماء إلى أرض عُمانية واحدة تترابط معًا بقوة أبنائها في مواجهة أية تحديات خارجية ظل يمثل حقيقة متصلة عبر كل مراحل التاريخ العُماني، ومن ثم فإن استمرار أسرة البوسعيد في الحكم منذ منتصف القرن الثامن عشر وحتى الآن قدم في الواقع سياجا آخر لدعم الوحدة الوطنية العُمانية خاصة في مراحل محددة بلغت ذروتها في عهد السيد سعيد بن سلطان (1807م ـ 1856م) ثم في عهد جلالة السلطان قابوس بن سعيدبن تيمورـ طيب الله ثراه ـ باني نهضة عُمان الحديثة.
وبغض النظر عن بعض فترات الضعف والانكماش التي حدثت، إلا أن هذه الحقبة التاريخية المستمرة قد أثمرت عديدا من الإنجازات المهمة في مسيرة عُمان التاريخية، ولعل من أبرزها التخلص من كل صور ومظاهر الاحتلال والنفوذ الأجنبي، وبناء إمبراطورية عُمانية كبيرة امتدت لتشمل مناطق عديدة في شرق أفريقيا خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، وقد فرضت هذه الإمبراطورية وجودها البحري في المحيط الهندي وأقامت علاقات سياسية متوازنة مع القوى العظمى في ذلك الوقت خاصة بريطانيا وفرنسا بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتغلب على مختلف التحديات الداخلية والإقليمية وإرساء أساس قوي لعلاقات متوازنة خليجيًا وإقليميًا ودوليًا أتاح لسلطنة عمان الحفاظ على مصالحها الوطنية، وكذلك بناء دولة عصرية مزدهرة تمثل الأم بالنسبة لكل أبنائها ويتمتع فيها العُمانيون بحق المواطنة على قدم المساواة، وقبل ذلك وبعده تحقيق استمرارية ووحدة التاريخ العُماني واستعادة مجد عُمان وإسهامها الحضاري المتواصل.