• الإثنين : ٢٧ - مارس - ٢٠٢٣
  • الساعة الآن : ٠٨:٥٣ مساءً

لم يكن إنشاء محكمة القضاء الإداري بموجب المرسوم السلطاني رقم (91/99) وليد لحظة أو مسايرة مجردة للتطور القضائي في مختلف دول العالم، وإنما تمخض عن دراسة مستفيضة ورؤية ثاقبة للزمان والمكان المناسبين لنشأتها بحلتها العصرية لتكون حصنًا حصينًا لمبدأ المشروعية وسيادة حكم القانون.

فقبل هذه النقلة النوعية في المنظومة القضائية في السلطنة، كان قضاء المظالم نهجًا متبعًا في الممارسة القضائية في حقب مختلفة من تاريخ عُمان، كما عرفت السلطنة نظام البت في التظلمات من رئيس الوحدة الإدارية وذلك باتخاذه القرار المناسب في التظلمات التي ترفع إليه، ثم وجدت لجان متخصصة لبحث التظلمات التي يقدمها المواطنون ضد مختلف الجهات الإدارية بالدولة، وكانت توجد أيضًا لدى ديوان البلاط السلطاني لجنة قضائية تبت في التظلمات، فضلًا عن أنه كان يوجد قاضٍ متخصص لدى وزارة الإسكان يصدر الأحكام القضائية في شأن المنازعات التي تنشأ نتيجة تطبيق قانون الأراضي.

وعلى هذا التتبع التاريخي جاء إنشاء محكمة القضاء الإداري نتيجة خطى ثابتة وتراكمات من العمل المؤسسي، حيث تضطلع المحكمة بدور بارز في إرساء دعائم المشروعية وسيادة حكم القانون، وصون حقوق وحريات الأفراد، وذلك بجعل السلطات الإدارية بالدولة خاضعة لحكم القانون حالها كحال الأفراد، فالكل سواسية أمام القانون، إذ ليس بكافٍ أن ينص على ذلك في نصوص القانون، وإنما يجب أن يردف ذلك وجود قضاء مختص يراقب مسلك الجهات الإدارية بالدولة في تعاملاتها مع الأفراد ومؤسسات المجتمع وأنشطته التجارية والاقتصادية والاستثمارية، ويراقب مدى مطابقة تصرفاتها مع حكم القانون.

وقد واكبت المحكمة التطور المضطرد لتوفير البيئة الملائمة للاستثمار بما تقوم به من إرساء لدعائم المشروعية، وفقًا للاختصاص المناط بها في المادة (6) من قانونها في الرقابة القضائية على القرارات والعقود الإدارية، التي تتصل بشأن التعاملات بين مؤسسات القطاع الخاص والجهات الإدارية، من خلال المشاريع التي تقوم مختلف الجهات الحكومية بإسناد المناقصات بشأنها للشركات المحلية منها والأجنبية، وكذلك من خلال منح أو منع مختلف التصاريح تنظيمًا وتسهيلًا لعمل القطاع الخاص.

وفضلًا عن ذلك، فإن المحكمة تقوم بتوفير الحماية للمتعاقد مع الجهات الإدارية، والعقود الإدارية لها خصوصيتها المتميزة عن العقود التي تبرم بين الأفراد فيما بينهم أو بين الشركات التجارية والأفراد، ففي العقود الإدارية تتمتع الجهات الإدارية المتعاقدة بامتيازات غير مألوفة في روابط القانون الخاص، وبذلك يكون المتعاقد مع الجهة الإدارية بحاجة إلى قضاء مختص لموازنة هذه الامتيازات المقررة للجهات الإدارية مع حقوقه التعاقدية.

جدير بالإشارة أن ما حققته المحكمة من أهداف من خلال ما تصدره من أحكام وما تقره من مبادئ وقواعد قانونية ساهمت بشكل كبير في التزام الجهات الإدارية بعملها وفق النهج الذي أسسته المحكمة في أحكامها والمبادئ التي تضمنتها، وخيرُ دليل على ذلك مبادرة الجهات الإدارية إلى تنفيذ الأحكام الصادرة من قبل محكمة القضاء الإداري وفق الوجه الذي صدرت به تلك الأحكام، دون تلكؤ أو تباطؤ، بل إنها تكون حريصة على تنفيذها بأسرع وقت ممكن، كما أن الجهات الإدارية تستجيب في حالات كثيرة لطلبات المتقاضين أثناء نظر الدعوى وقبل صدور حكم قضائي يلزمها بذلك.




شارك بهذه الصفحة :